أطلق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فعاليات الجلسة السادسة عشرة من المنتدى الفكري للمركز، تحت عنوان: “التحول نحو الصناعة الذكية في مصر.. الواقع والآفاق”، بهدف الخروج بتوصيات لتعزيز التنمية الصناعية القائمة على مواكبة التطورات التكنولوجية المتلاحقة، وذلك بحضور ممثلي عدد من الجهات التنفيذية وشركات القطاع الخاص ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “يونيدو”.
وفي مستهل الجلسة، قدمت الدكتورة هبة عبد المنعم، رئيس محور شؤون المكتب الفني بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار رئيس اللجنة العلمية الاستشارية للمركز، عرضًا حول أهمية دور القطاع الصناعي المصري في تحقيق الرؤى والمستهدفات القومية، مؤكدةُ أهمية تشجيع التحول نحو الصناعات الذكية، حيث أشارت إلى تضاعف ناتج الصناعة التحويلية بالأسعار الجارية في عام 2022 / 2023 بنحو 22 ضعف نظيره مقارنة بعام 2001 / 2002 ليسجل 1.5 تريليون جنيه بإجمالي مساهمة في مستويات الناتج المحلي الإجمالي تقدر بنحو 17% في المتوسط سنوياً خلال العقدين الماضيين، فيما شهدت الاستثمارات الصناعية زيادةً ملموسةً خلال السنوات الست الماضية لتسجل معدل نمو بلغ 20% في المتوسط سنوياً.
كما أشارت في هذا السياق إلى أن نسبة الصادرات عالية التقنية إلى إجمالي صادرات أي دولة هي أحد المؤشرات المهمة على تطور الدول واقتصاداتها، كما أن نمو الصناعات الذكية التي تستفيد من التطور المستمر لتقنيات الذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والروبوتات وغيرها من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة يسهم بشكل كبير في زيادة معدلات الإنتاجية الصناعية ورفع مستويات الكفاءة والاستدامة من خلال خفض الوقت والتكلفة والهدر في الإنتاج والفاقد في استهلاك الطاقة بما يدعم التنامي المستمر للقيمة المضافة بالنسبة لأي اقتصاد.
وأوضحت أنه على الرغم من ارتفاع نسبة الصادرات عالية التقنية في مصر ما بين عامي 2018 و2022 من نحو 1% في عام 2018 إلى 3.2% في عام 2022، إلا أن تلك النسبة تبقى متواضعةً مقارنة بعدد من الدول، حيث بلغت تلك النسبة على سبيل المثال نحو 9.3% في الإمارات، و12.5% في الهند بما يمثل نحو ثلاثة وأربعة أضعاف نسبة الصادرات عالية التقنية إلى إجمالي الصادرات المسجلة في مصر.
وبينت أن تحول الصناعة المصرية نحو تقنيات الصناعة الذكية يعتبر عاملاً حاسماً لزيادة مستويات إنتاجية وتنافسية الصناعة المصرية، وممكناً رئيساً لتحقيق الاقتصاد المصري للرؤى والمستهدفات القومية بما يتيحه هذا التحول من مكاسب اقتصادية كبيرة في الإنتاج والصادرات الصناعية، ولفتت إلى أن سوق الصناعة الذكية على مستوى العالم قُدر بنحو 261 مليار دولار في عام 2023، فيما يتوقع ارتفاعه إلى 986 مليار دولار في عام 2032 بحسب التقديرات الدولية مدفوعاً بالنمو القوي نحو تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في القطاع الصناعي ولاسيما في بعض الأقاليم الجغرافية مثل إقليم آسيا والمحيط الهادئ والذي يستأثر بنحو 37% من السوق العالمية للصناعة الذكية على مستوى العالم.
وفي ذلك السياق، عرض د. عبد المنعم بيومي، رئيس مسار الروبوتات في مبادرة “بناة مصر الرقمية”، المدرس بكلية هندسة الحاسبات بجامعة القاهرة، عددًا من التجارب الناجحة للصناعات الذكية داخل عدد من الشركات العالمية الكبرى، مضيفًا أن اعتماد تلك الشركات على نظم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وقواعد البيانات الضخمة وتحليلها، سمح لها بتحقيق التناسق والتكامل بين كافة عملياتها الإنتاجية، مستعرضًا جوانب إحدى تجارب صناعة الأسمنت في تركيا اعتمادًا على النظم الذكية، والتي ساهمت في خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 30% بخلاف توفير الطاقة، موضحاً أن صناعة الأسمنت، وصناعات الحديد والصلب، والألومنيوم، تعتبر من بين أفضل القطاعات المرشحة للاستفادة من التحول الرقمي ومن تقنيات الثورة الصناعية في مصر، بما يساعد في خفض الانبعاثات الكربونية وبالتالي خفض التلوث البيئي، وترشيد استخدام الطاقة، وتحقيق العديد من الوفورات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جانبه، قال د. هشام فاروق، مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتحول الرقمي، إن هناك فجوة في سوق العمل بين متطلبات الصناعات الذكية ومهارات خريجي الجامعات، مشيرًا إلى أهمية المبادرات التي أطلقتها الدولة مؤخرًا لمواجهة تلك التحديات، والتي تحوّل متطلبات العمل التي يحتاجها المصنّعون إلى دورات تدريبية يتلقاها الطلاب حديثي التخرج لسرعة دمجهم في سوق العمل، مضيفًا أن تلك المبادرات ساعدت على إيجاد الكوادر المصرية المؤهلة للعمل في مجالات التكنولوجيا، وإنتاج برمجيات وخدمات إلكترونية لصالح مؤسسات أو شركات خارجيًا، وهو ما يعتبر مصدرًا من مصادر زيادة الدخل بالعملات الأجنبية، حيث ساعدتهم هذه المبادرات على تنمية مهاراتهم التكنولوجية في التقنيات الحديثة، ولاسيما مهارات تطوير البرامج والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، وتحليل الأعمال، والأمن السيبراني والفنون الرقمية، وغيرها، وباتت توفر لهم البيئة المناسبة لبدء الأعمال الخاصة بهم على منصات العمل الحر، وتأهيلهم للالتحاق بوظائف مميزة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
من جانبه، أشار الدكتور أحمد عبد النظير، مستشار وزير الدولة للإنتاج الحربي سابقًا، إلى دور البحث العلمي في زيادة قدرة مصر على التحول نحو الصناعات الذكية من خلال قدرته على حل المشكلات التي تواجه الصناعات، ومساعدة المصانع في تحقيق السلامة المهنية وتوفير فرص عمل جديدة وخفض الفاقد في الإنتاج، والمساعدة في التخلص الآمن من المخلفات، مؤكدًا على أن نظم الصناعات الذكية يمكن أن تحقق قيمة مضافة مهمة للصناعات المصرية من خلال المساهمة في خفض الكربون، وبالتالي الاستفادة من منصات الكربون الطوعية ومن الفرص التمويلية التي تتيحها، ونوّه إلى ضرورة ربط البحث العلمي بالصناعة في مصر، وتوفير تمويل للبحث العلمي الذي يستهدف حل المشكلات القائمة، وأن يكون هذا الربط من واقع التجارب الدولية. وأوضح أن الصناعة الذكية لم تعُد خياراً، حيث أصبحت الصيانة والإصلاح لخطوط الإنتاج المتقادمة مكلفاً للغاية، والصناعة المصرية قد تنهار إذا لم يتم الإسراع بالتحول نحو الصناعة الذكية. ومع ذلك، هناك تحديات تواجه الصناعة المصرية الذكية، حيث يحتاج التحول إلى الصناعة الذكية حوافز من الدولة، كما تحتاج البنية التحتية إلى تحسين لتطبيق الصناعة الذكية، كما يوجد هواجس لدى رجال الصناعة وأصحاب الأعمال بشأن العائد من تطبيق الصناعة الذكية، مما يتطلب نشر الوعي من خلال وسائل الإعلام، وعمل لقاءات معهم لشرح العائد من الصناعة الذكية واقناعهم بأهميتها.
من جهة أخرى، استعرض الدكتور مهندس محمد عبد الكريم، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة استثمار صناعي، المسارات التي تحتاجها الصناعة في مصر للانتقال إلى عصر الصناعات الذكية، من خلال سد فجوة المهارات في سوق العمل، وسد الفجوة في تكاليف الانتقال إلى النظم الذكية في الصناعة، ودعم اعتماد التعليم على عناصر التطبيق والتجربة واستخلاص الحلول للمشكلات باستخدام التكنولوجيا، فضلاً عن تحقيق مستويات مرتفعة من أمن المعلومات والشبكات، وتأسيس تشريعات صارمة لحماية الملكية الفكرية، والربط المباشر بين الصناعة وأكاديميات البحث العلمي، واقترح في الوقت ذاته، قيام الدولة بتشجيع التحول نحو تقنيات الصناعة الذكية من خلال التفاوض الجماعي للتحديث التقني لخطوط الإنتاج في عدد كبير من المصانع المصرية مع مزودي تلك التقنيات على مستوى العالم، وبالتالي الوصول إلى أفضل الفرص لنقل تلك التقنيات إلى مصر بأقل التكاليف.
كما تطرق المهندس علاء صلاح الدين، مستشار رئيس هيئة التنمية الصناعية لتطوير التصنيع المحلي، إلى جوانب التشريعات التي تدفع نحو تعميق التصنيع المحلي، ومؤكدًا أن أغلب الحوافز التي تنص عليها القوانين توجه بشكل أساسي لتعزيز أوضاع الصناعات التصديرية، بدليل وجود كيانات ضخمة دخلت السوق المصرية مؤخرًا، وتوسعت في عملياتها الإنتاجية مستفيدة من الحوافز الاستثمارية الممنوحة للمشروعات التي تؤسس في صعيد مصر، ومؤكدًا أن صناعات الأجهزة المنزلية تعد من أنجح القطاعات الصناعية في مصر، ويمكن أن تحوّل مصر إلى مركز إقليمي ضخم في هذا المجال نظرًا للطلب الكبير عليها، فيما أشار إلى أن التوسع الصناعي يتطلب زيادة في مستلزمات الإنتاج غير المتوافرة محليًا، وبالتالي تسعى المصانع الجديدة لاستيرادها من الخارج، وهو ما يستلزم التركيز على التصنيع المحلي لتلك المستلزمات. وأشار إلى أن التحول إلى تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بتطلب تمويل بما يمثل عائقاً كبيراً للغاية، في الوقت الذي لا يوجد فيع تحفيز للتحول الرقمي في الصناعة، وبالتالي هناك حاجة إلى خطة للتحفيز والتوعية. وربط البحث العلمي بالصناعة في مصر، حتى تشهد الصناعة المصرية ثورة صناعية حقيقية.
عذراً التعليقات مغلقة